الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن لأخوة الدين حقوقًا، وإن على المسلم واجبات نحو إخوانه، فالدين النصيحة، ولا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه. ولما كان هناك إخوةٌ لنا قد بُلوا ببيع الدخان وترويجه، كان حقا علينا أن نُذكرهم، ولزامًا أن نُحذرهم من مغبة صنيعهم.
ومن هذا المنطلق جرى القلم بكتابة هذه الكلمات لإخواننا بائعي الدخان، عسى أن تجد آذانًا مصيخة، وأفئدة مصغية، فهذا هو الظن بهم، وهذا ما نأمله فيهم، فالذكرى تنفع المؤمنين، والمؤمن إذا ذُكر تذكر.
فيا أخي: بائع الدخان، هذه بعض الوقفات اليسيرة أقفها معك آملًا أن تجد قبولًا عندك، وأن تلقى صدى في نفسك.
أولًا: تذكر بأنك مسلم، وأنك عبدلله، وأعظم به من شرف، وأكرم بها من عبودية.
فالمسلم وأنت كذلك يحب الله ويحب رسوله ويقدم محبتهما على كل محبة، ويؤثر طاعتهما على كل طاعة.
إذا تقرر هذا عندك فهل بيع الدخان طاعة لله ورسوله؟ وهل هو مما يحبه الله ورسوله؟
لا شك أخي الحبيب بأنك توافقني على أن الدخان ليس طاعة لله ورسوله، ولا هو مما يحبه الله ورسوله، فكيف إذًا ترضى بيعه وترويجه؟!
ثانيًا: الدخان خبيث، ويحرم الخبائث، وربك عز وجل يقول في محكم تنزيله: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف:157].
فكيف ترضى أيها الحبيب أن تجعل الخبيث مصدرًا لرزقك؟
ثالثًا: الدخان ضرر على نفسك، وعلى المشتري بل وعلى الأمة جمعاء، ورسولك يقول: {لا ضرر ولا ضرار}.
رابعًا: أنت فقير إلى ربك عز وجل، تدعوه بالليل والنهار، ولا تستغني عنه طرفة عين، وإذا نزلت بك مصيبة، وضاقت عليك الأرض بما رحبت، ولم تجد من يُنفس كربتك، توجهت إلى ربك، وتضرعت إليه، وأخلصت الدعاء له، كي يجيب دعاءك ويحقق لك مطلوبك، فكيف ترجو إجابة الدعاء، وقد سددت طريق الإجابة بأكل الحرام، وبيع الحرام؟!
أما علمت أن أكل الحرام من أعظم موانع إجابة الدعاء؟
أم أنت مستغنٍ عن ربك، غير مُحتاج إليه؟!
خامسًا: أمتك بحاجة إلى الأصحاء الأقوياء العقلاء: فهل ساهمت في بناء كيان أمتك ببيع الدخان؟
لا، بل العكس هو الصحيح، فأنت تسعى لهدم صحتها، وإضعاف قواها، وإفساد عقولها.
سادسًا: هل ترضى بأن تشيع الأمراض الفتاكة في مجتعك، وأبناء ملتك، فتفتك بالناس من حولك وتؤذي الصغير والكبير؟
لا أظنك ترضى بذلك. إذًا كيف تبيع الدخان وهو سبب رئيسي لأمراض عديدة فتاكة؟
أما علمت أنه سبب للسرطان بأنواعه المتعددة كسرطان الرئة، والشفة، والبلعوم والفم والمريء واللسان والبنكرياس والمثانة والكلى وغيرها من أنواع السرطان؟
أما علمت أنه سبب لأمراض أخرى كالربو، وضيق التنفس، والسعال، والبلغم، والسل، وتليف الكبد، والسكتة الدماغية، والذبحة الصدرية، والفشل الكلوي، وتسوس الأسنان، واسودادها، وفقدان حاسة الشم، وزيادة أمراض الحساسية؟
أما علمت أنه يؤثر على القلب والدماغ، ويضعف نسبة الذكاء، ويتسبب في العمى، والتهاب الجفون؟
بل إنه يسبب العقم، ويؤثر على الجنين، ويلوث الهواء، ويتسبب في الحرائق.
فهل ترضى أن تكون معول هدمٍ لأمتك، تجر إليها الويلات إثر الويلات؟
سابعًا: هل يخطر ببالك أن تقتل نفسًا معصومة بغير حق، أو تتسبب في ذلك؟
هل تتجرأ على ذلك الذنب العظيم، والجرم الجسيم؟
ستقول: لا، بملء فيك.
إذًا ألا تعلم بأنك تتسبب في قتل أنفس عديدة من حيث تشعر أو لا تشعر، وذلك من خلال بيعك الدخان وترويجك له؟ ألا تعلم بأن الدخان سبب رئيسي للوفاة المبكرة؟
بل إن معظم وفيات العالم الصناعي إنما هي بسبب التدخين، حيث يموت في العالم سنويًا بسبب التدخين وحده مليونان وخمسمائة ألف شخص، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 350 ألفًا.
ثامنًا: هل يسرك أن ينحرف أبناء المسلمين، وأن تكون سببًا في ذلك؟
ستقول: لا
إذًا ألا تعلم أن الدخان من أعظم أسباب الانحراف؟
فالتدخين هو بداية النهاية، وهو السبيل لكثير من أنواع الفساد كالمخدرات وغيرها، فكيف ترضى أخي الحبيب بإفساد أبناء المسلمين؟
ألا تخشى أن تعاقب بانحراف أبنائك؟
تاسعًا: هل يرضيك أن تعين أعداءك على أمتك؟
ستقول كعادتك: لا
وأقول لك: إنك ببيعك الدخان، وترويجه، والاتجار به تنهك اقتصاد أمتك، وتعين على إنفاق أموالها فيما يضرها، وفي الوقت نفسه تدعم شركات الأعداء التي تصدر الدخان
وبفضل جهدك قد غدوت لصانعي *** تلك السمــــوم السود خير مُعين
تحبــوهـــــم المـال الــــذي لــولاه*** لم يجدوا السبيل لكيد هذا الدين
عاشرًا: أخي الحبيب، ألا تثق بكفاية الله لك؟
ألا تعلم بأنه هو الذي يرزقك؟
ألا تؤمن بأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها؟
ستقول: بلى
إذًا أين هذه الثقة، وذاك العلم والإيمان، وأنت تبيع الدخان وأنت تعلم بأنه حرام؟
أما لك عنه غية بالحلال؟
حادي عشر: قد تطمع في الاستنكار من المال، وقد تبتلى وتُستدرج بزيادته.
ولكن ما فائدة المال إذا فقدت بركته؟
أما علمت أن الكسب الحرام يفسد المال ويمحق بركته؟
فأي خير يرتجى من مال فقد بركته؟
ثاني عشر: قد تقول: أنا أعلم حرمة الدخان، وضرره، فأنا لا أريد المال منه، وإنما أتخذه وسيلة لجلب الزبائن. وأقول لك: يا أيها الحبيب، من الذي يجلب لك الزبائن؟
ومن الذي تكفل بالأرزاق؟
أهو الدخان؟ أم الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه.
إن فعلك هذا حرام، فالوسائل لها أحكام المقاصد، بل إنه سوء ظن بالله عز وجل.
ثالث عشر: قد تقول أنا لا آخذ شيئًا من كسب الدخان، وإنما هو للبائع الذي أوكلت إليه مهمة البيع، فهو الذي يشتريه ويبيعه، فلا ذنب لي، ولا تبعة علي.
وأقول لك: من تخادع؟ أتخادع نفسك؟ أم تخادع الناس؟ أم تخادع ربك؟
فالوزر عليك، والخطيئة محيطة بك، فأنت المتسبب الأول، وبإمكانك منع البائع من بيع الدخان، فأنت آثم لعدم تغييرك المنكر مع قدرتك على ذلك، ولأنك ممن يتعاون على الإثم والعدوان.
وإلا لو أن البائع غش الناس، أو باعهم سلعة قد انتهى تاريخ صلاحيتها، لما رضيت بذلك، ولما قلت: هذا ذنب البائع.
بل إنك ستغضب عليه، وربما عاقبته، أو استبدلته غيره، خشية من نفرة الزبائن من متجرك.
فيا أيها الحبيب: تُب إلى ربك وعُد إلى رشدك، واستحضر أضرار بيع الدخان عليك وعلى غيرك، واعلم بأنك ستعين الآخرين على الإقلاع عن التدخين إذا امتنعت عن بيعه.
فاستعن بالله عز وجل، واعلم بأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، والعوض أنواع مختلفة، فإما أن يكون بمال خير لك من مالك الأول، وإما أن يكون مالك مباركًا ولو كان قليلًا، وإما أن يدفع الله عنك من المصائب ما لا يعلمه إلا هو، وإما أن تُرزق القناعة وغنى القلب.
وأجل ما تعوض به الأنس بالله، ومحبته، قوة القلب، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن الله، وطمأنينته بذكره عز وجل.
ثم تذكر الأجر المترتب على ترك التدخين، واستحضر فضائل التوبة العظيمة، فالعبرة بكمال النهاية لا ينقص البداية.
ثم ارفع يديك إلى ربك، واسأله أن يعينك على نفسك، وعلى شياطين الإنس والجن، الذين يقفون في طريقك، ويعوقونك عن رجوعك إلى ربك.
وإياك أن تستسلم لوسوسة الشيطان وتسويفه لك بأن رزقك سينقطع إذا تركت بيع الدخان، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واستحضر بأن الله هو الرازق ذو القوة المتين، وتذكر وقوفك بين يدي رب العالمين، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم تذكر عاقبة بيع الدخان، فكل من تسببت في شربه للدخان فأنت شريك له في الإثم.
أخي الحبيب:
هذه كلمات كتبها محب لك، مشفق عليك، يرجو فلاحك، ويروم عزك، فأسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يهديك لأرشد أمرك، وأن ييسرك لليسرى، ويجنبك العسرى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الكاتب: محمد بن إبراهيم الحمد
المصدر: موقع كلمات